فصل: تفسير الآيات (85- 86):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الجامع لأحكام القرآن والمبين لما تضمنه من السنة وآي الفرقان المشهور بـ «تفسير القرطبي»



.تفسير الآية رقم (81):

{ارْجِعُوا إِلى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يا أَبانا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَما شَهِدْنا إِلاَّ بِما عَلِمْنا وَما كُنَّا لِلْغَيْبِ حافِظِينَ (81)}
قوله تعالى: {ارْجِعُوا إِلى أَبِيكُمْ} قاله الذي قال: {فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ}. {فَقُولُوا يا أَبانا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ} وقرأ ابن عباس والضحاك وأبو رزين {إن ابنك سرق}. النحاس: وحدثني محمد بن أحمد بن عمر قال حدثنا ابن شاذان قال حدثنا أحمد بن أبي سريج البغدادي قال: سمعت، الكسائي يقرأ: {يا أَبانا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ} بضم السين وتشديد الراء مكسورة، على ما لم يسم فاعله، أي نسب إلى السرقة ورمي بها، مثل خونته وفسقته وجرته إذا نسبته إلى هذه الخلال.
وقال الزجاج: {سَرَقَ} يحتمل معنيين: أحدهما- علم منه السرق، والآخر- اتهم بالسرق. قال الجوهري: والسرق والسرقة بكسر الراء فيهما هو اسم الشيء المسروق، والمصدر يسرق سرقا بالفتح. قوله تعالى: {وَما شَهِدْنا إِلَّا بِما عَلِمْنا}. فيه أربع مسائل:
الأولى: قوله تعالى: {وَما شَهِدْنا إِلَّا بِما عَلِمْنا} يريدون ما شهدنا قط إلا بما علمنا، وأما الآن فقد شهدنا بالظاهر وما نعلم الغيب، كأنهم وقعت لهم تهمة من قول بنيامين: دس هذا في رحلي من دس بضاعتكم في رحالكم، قال معناه ابن إسحاق. وقيل المعنى: ما شهدنا عند يوسف بأن السارق يسترق إلا بما علمنا من دينك، قاله ابن زيد. {وَما كُنَّا لِلْغَيْبِ حافِظِينَ} أي لم نعلم وقت أخذناه منك أنه يسرق فلا نأخذه.
وقال مجاهد وقتادة: ما كنا نعلم أن ابنك يسترق ويصير أمرنا إلى هذا، وإنما قلنا: نحفظ أخانا فيما نطيق.
وقال ابن عباس: يعنون أنه سرق ليلا وهم نيام، والغيب هو الليل بلغة حمير، وعنه: ما كنا نعلم ما يصنع في ليله ونهاره وذهابه وإيابه.
وقيل: ما دام بمرأى منا لم يجز خلل، فلما غاب عنا خفيت عنا حالاته. وقيل معناه: قد أخذت السرقة من رحله، ونحن أخرجناها وننظر إليها، ولا علم لنا بالغيب، فلعلهم سرقوه ولم يسرق.
الثانية: تضمنت هذه الآية جواز الشهادة بأي وجه حصل العلم بها، فإن الشهادة مرتبطة بالعلم عقلا وشرعا، فلا تسمع إلا ممن علم، ولا تقبل إلا منهم، وهذا هو الأصل في الشهادات، ولهذا قال أصحابنا: شهادة الأعمى جائزة، وشهادة المستمع جائزة، وشهادة الأخرس إذا فهمت إشارته جائزة، وكذلك الشهادة على الخط- إذا تيقن أنه خطه أو خط فلان- صحيحة فكل من حصل له العلم بشيء جاز أن يشهد به وإن لم يشهده المشهود عليه، قال الله تعالى: {إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [الزخرف: 86] وقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «ألا أخبركم بخير الشهداء خير الشهداء الذي يأتي بشهادته قبل أن يسألها» وقد مضى في البقرة.
الثالثة: اختلف قول مالك في شهادة المرور، وهو أن يقول: مررت بفلان فسمعته يقول كذا فإن استوعب القول شهد في أحد قوليه، وفي القول الآخر لا يشهد حتى يشهداه. والصحيح أداء الشهادة عند الاستيعاب، وبه قال جماعة العلماء، وهو الحق، لأنه قد حصل المطلوب وتعين عليه أداء العلم، فكان خير الشهداء إذا أعلم المشهود له، وشر الشهداء إذا كتمها والله أعلم.
الرابعة: إذا أدعى رجل شهادة لا يحتملها عمره ردت، لأنه ادعى باطلا فأكذبه العيان ظاهر.

.تفسير الآية رقم (82):

{وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنا فِيها وَإِنَّا لَصادِقُونَ (82)}
فيه مسألتان: الأولى: قوله تعالى: {وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها وَالْعِيرَ} حققوا بها شهادتهم عنده، ورفعوا التهمة عن أنفسهم لئلا يتهمهم. فقولهم: {وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ} أي أهلها، فحذف، ويريدون بالقرية مصر.
وقيل: قرية من قراها نزلوا بها وامتاروا منها. وقيل المعنى {وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ} وإن كانت جمادا، فأنت نبي الله، وهو ينطق الجماد له، وعلى هذا فلا حاجة إلى إضمار، قال سيبويه: ولا يجوز كلم هندا وأنت تريد غلام هند، لأن هذا يشكل. والقول في العير كالقول في القرية سواء. {وَإِنَّا لَصادِقُونَ} في قولنا.
الثانية: في هذه الآية من الفقه أن كل من كان على حق، وعلم أنه قد يظن به أنه على خلاف ما هو عليه أو يتوهم أن يرفع التهمة وكل ريبة عن نفسه، ويصرح بالحق الذي هو عليه، حتى لا يبقى لأحد متكلم، وقد فعل هذا نبينا محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقوله للرجلين اللذين مرا وهو قد خرج مع صفية يقلبها من المسجد: {على رسلكما إنما هي صفية بنت حيي} فقالا: سبحان الله وكبر عليهما فقال النبي: {إن الشيطان يبلغ من الإنسان مبلغ الدم وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شيئا} رواه البخاري ومسلم.

.تفسير الآية رقم (83):

{قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (83)}
فيه مسألتان: الأولى: قوله تعالى: {قالَ بَلْ سَوَّلَتْ} أي زينت. {لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ} أن ابني سرق وما سرق، وإنما ذلك لأمر يريده الله. {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ} أي فشأني صبر جميل، أو صبر جميل أولى بي، على ما تقدم أول السورة.
الثانية: الواجب على كل مسلم إذا أصيب بمكروه في نفسه أو ولده أو ماله أن يتلقى ذلك بالصبر الجميل، والرضا والتسليم لمجريه عليه وهو العليم الحكيم، ويقتدي بنبي الله يعقوب وسائر النبيين، صلوات الله عليهم أجمعين.
وقال سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن قال: ما من جرعتين يتجرعهما العبد أحب إلى الله من جرعة مصيبة يتجرعها العبد بحسن صبر وحسن عزاء، وجرعة غيظ يتجرعها العبد بحلم وعفو.
وقال ابن جريج عن مجاهد في قوله تعالى: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ} أي لا أشكو ذلك إلى أحد.
وروى قاتل بن سليمان عن عطاء بن أبي رباح عن أبي هريرة عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قال: «من بث لم يصبر». وقد تقدم في البقرة أن الصبر عند أول الصدمة، وثواب من ذكر مصيبته واسترجع وأن تقادم عهدها.
وقال جويبر عن الضحاك عن ابن عباس قال: إن يعقوب أعطى على يوسف أجر مائة شهيد، وكذلك من احتسب من هذه الأمة في مصيبته فله مثل أجر يعقوب عليه السلام. قوله تعالى: {عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً} لأنه كان عنده أن يوسف صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يمت، وإنما غاب عنه خبره، لأن يوسف حمل وهو عبد لا يملك لنفسه شيئا، ثم اشتراه الملك فكان في داره لا يظهر للناس، ثم حبس، فلما تمكن احتال في أن يعلم أبوه خبره، ولم يوجه برسول لأنه كره من إخوته أن يعرفوا ذلك فلا يدعوا الرسول يصل إليه. وقال: {بِهِمْ} لأنهم ثلاثة، يوسف وأخوه، والمتخلف من أجل أخيه، وهو القائل: {فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ}. {إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ} بحالي. {الْحَكِيمُ} فيما يقضي.

.تفسير الآية رقم (84):

{وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يا أَسَفى عَلى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْناهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ (84)}
فيه ثلاث مسائل:
الأولى: قوله تعالى: {وَتَوَلَّى عَنْهُمْ} أي أعرض عنهم، وذلك أن يعقوب لما بلغه خبر بنيامين تتام حزنه، وبلغ جهده، وجدد الله مصيبته له في يوسف فقال: {يا أَسَفى عَلى يُوسُفَ}
ونسى ابنه بنيامين فلم يذكره، عن ابن عباس.
وقال سعيد بن جبير: لم يكن عند يعقوب ما في كتابنا من الاسترجاع، ولو كان عنده لما قال: {يا أَسَفى عَلى يُوسُفَ}. قال قتادة والحسن: والمعنى يا حزناه! وقال مجاهد والضحاك: يا جزعاه!، قال كثير:
فيا أسفا للقلب كيف انصرافه ** وللنفس لما سليت فتسلت

والأسف شدة الحزن على ما فات. والنداء على معنى: تعال يا أسف فإنه من أوقاتك.
وقال الزجاج: الأصل يا أسفي، فأبدل من الياء ألف لخفة الفتحة. {وَابْيَضَّتْ عَيْناهُ مِنَ الْحُزْنِ} قيل: لم يبصر بهما ست سنين، وأنه عمي، قال مقاتل.
وقيل: قد تبيض العين ويبقى شيء من الرؤية، والله أعلم بحال يعقوب، وإنما ابيضت عيناه من البكاء، ولكن سبب البكاء الحزن، فلهذا قال: {مِنَ الْحُزْنِ}.
وقيل: إن يعقوب كان يصلي، ويوسف نائما معترضا بين يديه، فغط في نومه، فالتفت يعقوب إليه، ثم غط ثانية فالتفت إليه، ثم غط ثالثة فالتفت إليه سرورا به وبغطيطه، فأوحى الله تعالى إلى ملائكته: «أنظروا إلى صفيي وابن خليلي قائما في مناجاتي يلتفت إلى غيري، وعزتي وجلالي! لأنزعن الحدقتين اللتين التفت بهما، ولأفرقن بينه وبين من التفت إليه ثمانين سنة، ليعلم العاملون أن من قام بين يدي يجب عليه مراقبة نظري». هذا يدل على أن الالتفات في الصلاة- وإن لم يبطل- يدل على العقوبة عليها، والنقص فيها، وقد روى البخاري عن عائشة قالت: سألت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الالتفات في الصلاة فقال: «هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد». وسيأتي ما للعلماء في هذا في أول سورة المؤمنون موعبا إن شاء الله تعالى.
الثالثة: قال النحاس: فإن سأل قوم عن معنى شدة حزن يعقوب- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعلى نبينا- فللعلماء في هذا ثلاثة أجوبة: منها- أن يعقوب صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما علم أن يوسف صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حي خاف على دينه، فاشتد حزنه لذلك.
وقيل: إنما حزن لأنه سلمه إليهم صغيرا، فندم على ذلك. والجواب الثالث- وهو أبينها- هو أن الحزن ليس بمحظور، وإنما المحظور الولولة وشق الثياب، والكلام بما لا ينبغي وقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «تدمع العين ويحزن القلب ولا نقول ما يسخط الرب». وقد بين الله جل وعز ذلك بقوله: {فَهُوَ كَظِيمٌ} أي مكظوم مملوء من الحزن ممسك عليه لا يبثه، ومنه كظم الغيظ وهو إخفاؤه، فالمكظوم المسدود عليه طريق حزنه، قال الله تعالى: {إِذْ نادى وَهُوَ مَكْظُومٌ} [القلم: 48] أي مملوء كربا. ويجوز أن يكون المكظوم بمعنى الكاظم، وهو المشتمل على حزنه. وعن ابن عباس: كظيم مغموم، قال الشاعر:
فإن أك كاظما لمصاب شاس ** فإني اليوم منطلق لساني

وقال ابن جريج عن مجاهد عن ابن عباس قال: ذهبت عيناه من الحزن {فَهُوَ كَظِيمٌ} قال: فهو مكروب.
وقال مقاتل بن سليمان عن عطاء عن ابن عباس في قوله: {فَهُوَ كَظِيمٌ} قال: فهو كمد، يقول: يعلم أن يوسف حي، وأنه لا يدري أين هو، فهو كمد من ذلك. قال الجوهري: الكمد الحزن المكتوم، تقول منه كمد الرجل فهو كمد وكميد. النحاس. يقال فلان كظيم وكاظم، أي حزين لا يشكو حزنه، قال الشاعر:
فحضضت قومي واحتسبت قتالهم ** والقوم من خوف المنايا كظم

.تفسير الآيات (85- 86):

{قالُوا تَاللَّهِ تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهالِكِينَ (85) قالَ إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ (86)}
قوله تعالى: {قالُوا تَاللَّهِ تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ} أي قال له ولده: {تَاللَّهِ تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ} قال الكسائي: فتأت وفتئت أفعل ذلك أي ما زلت. وزعم الفراء أن {لا} مضمرة، أي لا تفتأ، وأنشد:
فقلت يمين الله أبرح قاعدا ** ولو قطعوا رأسي لديك وأوصالي

أي لا أبرح، قال النحاس: والذي قال حسن صحيح. وزعم الخليل وسيبويه أن {لا} تضمر في القسم، لأنه ليس فيه إشكال، ولو كان واجبا لكان باللام والنون، وإنما قالوا له لأنهم علموا باليقين أنه يداوم على ذلك، يقال: ما زال يفعل كذا، وما فتئ وفتا فهما لغتان، ولا يستعملان إلا مع الجحد قال الشاعر:
فما فتئت حتى كأن غبارها ** سرادق يوم ذي رياح ترفع

أي ما برحت فتفتأ تبرح.
وقال ابن عباس: تزال. {حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً} أي تالفا.
وقال ابن عباس ومجاهد: دنفا من المرض، وهو ما دون الموت، قال الشاعر:
سرى همي فأمرضني ** وقدما زادني مرضا

كذا الحب قبل اليو ** م مما يورث الحرصا

وقال قتادة: هرما. الضحاك: باليا داثرا. محمد بن إسحاق: فاسدا لا عقل لك. الفراء: الحارض الفاسد الجسم والعقل، وكذا الحرض. ابن زيد: الحرص الذي قد رد إلى أرذل العمر. الربيع بن أنس: يابس الجلد على العظم. المؤرج: ذائبا من الهم.
وقال الأخفش: ذاهبا. ابن الأنباري: هالكا، وكلها متقاربة. واصل الحرض الفساد في الجسم أو العقل من الحزن أو العشق أو الهرم، عن أبي عبيدة وغيره، وقال العرجي:
إني امرؤ لج بي حب فأحرضني ** حتى بليت وحتى شفني السقم

قال النحاس: يقال حرض حرضا وحرض حروضا وحروضة إذا بلي وسقم، ورجل حارض وحرض، إلا أن حرضا لا يثني ولا يجمع، ومثله قمن وحري لا يثنيان ولا يجمعان. الثعلبي: ومن العرب من يقول حارض للمذكر، والمؤنثة حارضة، فإذا وصف بهذا اللفظ ثنى وجمع وأنث. ويقال: حرض يحرض حراضة فهو حريض وحرض. ويقال: رجل محرض، وينشد:
طلبته الخيل يوما كاملا ** ولو ألفته لأضحى محرضا

وقال امرؤ القيس:
أرى المرء ذا الأذواد يصبح محرضا ** كإحراض بكر في الديار مريض

قال النحاس: وحكى أهل اللغة أحرضه الهم إذا أسقمه، ورجل حارض أي أحمق. وقرأ أنس: {حرضا} بضم الحاء وسكون الراء، أي مثل عود الأشنان. وقرأ الحسن بضم الحاء والراء. قال الجوهري: الحرض والحرض الأشنان. {أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهالِكِينَ} أي الميتين، وهو قول الجميع، وغرضهم منع يعقوب من البكاء والحزن شفقة عليه، وإن كانوا السبب في ذلك. قوله تعالى: {قالَ إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي} حقيقة البث في اللغة ما يرد على الإنسان من الأشياء المهلكة التي لا يتهيأ له أن يخفيها، وهو من بثثته أي فرقته، فسميت المصيبة بثا مجازا، قال ذو الرمة:
وقفت على ربع لمية ناقتي ** فما زلت أبكي عنده وأخاطبه

وأسقيه حتى كاد مما أبثه ** تكلمني أحجاره وملاعبه

وقال ابن عباس: بثِّي همي. الحسن: حاجتي.
وقيل: أشد الحزن، وحقيقة ما ذكرناه.
{حُزْنِي إِلَى اللَّهِ}معطوف عليه، أعاده بغير لفظه.
{أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ}أي أعلم أن رؤيا يوسف صادقة، وأني سأسجد له. قاله ابن عباس. قتادة: إني أعلم من إحسان الله تعالى إلى ما يوجب حسن ظني به.
وقيل: قال يعقوب لملك الموت هل قبضت روح يوسف؟ قال: لا، فأكد هذا رجاءه.
وقال السدي: أعلم أن يوسف حي، وذلك أنه لما أخبره ولده بسيرة الملك وعدله وخلقه وقوله أحست نفس يعقوب أنه ولده فطمع، وقال: لعله يوسف. وقال: لا يكون في الأرض صديق إلا نبئ.
وقيل: أعلم من إجابة دعاء المضطرين ما لا تعلمون.